Announcement

Collapse
No announcement yet.

حين يصبح رعاة البقر رعاة بشر

Collapse
X
 
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • حين يصبح رعاة البقر رعاة بشر

    آخر خبر - الكاتب فؤاد وجاني

    يحكى في قديم الزمان وسالف العصر والأوان أن شيخا بوهيميا يدعى بالمجذوب كان يتجول بالأسواق الشعبية بكل الأحياء العربية ، يحمل في يديه مبخرة وبقب جلبابه المرقع رغيفا من شعير ، كان قد تنبأ بزمن تتحول فيه الشعوب الى قطعان ماشية تهتدي فيه بهدي الكلاب وتخضع فيه لشهوات الذئاب . أما المسؤولون فيه عن الرعية فينحدرون من سلالات رعاة البقر وأنساب الثيران. سخر الناس حينها من زعم البوهيمي ووصموه بتهمة المس وعيب الجنون.

    ومضى الدهر المهرول ليحقق رؤيا البوهيمي الحكيم بعد قرون من الترقب والإنتظار. فتسلل كل اللصوص الى رحم السلطة ، بل ادعوا الإنتساب الى السادة الأشراف وقرابة العلية الأطهار. ولكي يضمنوا سيطرتهم على زمام الأمور وحجب مكنونات الفجور، حشدوا كل الطالحين في مواقع الصالحين واستبدلوا بطانة العلماء بخبث الجاهلين، ونفثوا في البلاد سموم الفساد، وعتوا فيها بشتى أنواع الظلم والاستبداد، وفرضوا على أهلها ضرائب الرشوة وصكوك المحسوبية، وألزموهم بصلوات الأمر والطاعة لأصحاب السمو والفخامة، وأرغموهم على اتباع دساتير التدجين والتربية الوطنية.
    تحول رغيف الخبز من زاد يسد به البوهيمي رمقه ويسكن به معدته الى مؤامرة صعبة المنال لدى الرعية.
    فاقت رؤيا المجذوب نظريات العولمة ، واستبقت عصر الشبكة العنكبوتية، فانتقلت قبل ارتداد طرْف العفريت من بلاد العرب الى أمصارالعجم ، لتستقر بالولايات المتحدة بكبرى الديموقراطيات وتحولها الى أقصى درجات الديماغوجيات. فانتهكت المحارم والخصوصيات بدعوى حفظ الأمن القومي وردع الإرهاب، واستلبت الحريات تحت ضغط كبريات الشركات ، وراح المواطن الأمريكي يلهث وراء إغاثة سيارته بالوقود قبل إطعام معدته بالزاد .
    يبدو أن الشعوب صارت سواسية كأسنان المشط في القهر والإستعباد ، هناك بالشرق يتحسرون على ليلاهم ، أما هنا بالغرب فنبكي على جولييت.

    ولكل شعب طقوسه المتبعة في التخلص من نوبات الإكتئاب النفسي والإحباط العاطفي الناتجة عن تعاطي أفيون الديماغوجيات. ففي الهند ،على سبيل المثال، يحضر الناس دورات العلاج النفسي عن طريق الضحك بلاسبب دون الخوف من إثارة قلة الأدب . أما في العراق ، فيتنفسون الصعداء كلما شاهدوا حفرة الرئيس المخلوع وصور ضرب تمثال صدام بالحذاء القديم ومسرحيات المحاكمة المتلفزة . وفي بقاع عروس الشرق الأنيقة لبنان ، يستحضرالشعب ذكريات الحريري بكل أسى بينما الغربان ينهشون لحمه على ايقاع الطبل السوري . أما ببوليفيا فيمزجون الديموقراطية بمضغ نبات الكوكا لترتقي نواصيهم الى أمجاد حضارات الإنكا . ويستمتع الشعب الكوبي بخطابات كاسترو الذي مازال يدخن سيجار الديموقراطية الملفوف على خواصر الحسناوات وهو يسترجع ذكريات الثورة بين أشلاء الدخان المتصاعد . أما في المغرب، فإن طقوس الختان وقناة القرآن تضفي على نفوس الشعب صبغة (بحذف الألف) الارتياح وتغتال فيه روح الماضي الثليد. أما في فرنسا المبنية بسواعد الشمال الإفريقي ، فقد سلك الشعب درب الإجرام واختار منطق النار بدل خرافات الحوار بعد أن خلعت الحكومة رداء الحجاب لتكشف عن عوراتها السياسية ونواياها العنصرية .
    الأمثلة عديدة ومتنوعة تملأ الدنيا دون أن تشغل الناس المرغومين على خوض غمار كسب اللقمة والغوص في تيارات رغيف الخبز وسد الرمق.
    زبدة الكلام في زمن صارت فيه الشعوب ،على كثرتها، كزبد يم قد يضر ولاينفع،هي أن حتمية التاريخ لامحالة واقعة وأن صيرورة القدر لابد نازلة . إن الحفرستكون مصير كل رعاة البقر، سواء تعلق الأمر بالعراق بلد الشقاق أم بأمريكا مهد الرقيق .
    قد لاتعدل الحكومات فتستبد كي تستتب ، وقد يدخل الملوك القرى فيفسدوا فيها ويجعلوا من علية أهلها أذلة، وقد تتحول الشركات الكبرى الى امبراطوريات تنهب أموال الناس قسرا وتستنزف خيرات البلدان جورا، لكن العدل سيظل أساس صحة الملك والريادة والرئاسة وسلامة العقول والأبدان. بدونه تفنى الإيدلوجيات ،وتندثر الحضارات، وتنمحي كل الإمبراطوريات. فليس برغيف الخبز وحده تعيش الشعوب، وشتان بين ذلة العيش ونعمة الحياة، والعاقبة لعدل الزمان، وهيهات هيهات فماهو آت لأعظم !
    إن الأمة التي لا تأكل مما تزرع وتلبس مما تصنع أمة محكوم عليها بالتبعية والفناء
Working...
X
😀
🥰
🤢
😎
😡
👍
👎