مواسم الحج وتسجيل النجاح عاما بعد عام (1)
الاقتصادية
د. فهد أحمد عرب
لقد أنعم الله على هذا البلد الكريم بأنعم لا تحصى ولا تعد، من أهمها أن تهوي إلى البلد الحرام أفئدة الناس لأداء ما فرضه الله عليهم، فننعم ونسعد بخدمتهم، ونسأله تعالى أن يتقبل منا أعمالنا، فيدخلنا جنات النعيم برحمته. في هذه الأيام المباركة ونحن نعيش فرحة المسلمين بقدومهم إلى بيت الله قاصدينه للحج وإلى المدينة لزيارة قبر الرسول ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ يمكن لنا أن نتجول بأسماعنا وأبصارنا وأفئدتنا في أجواء مناطق الحج (مكة المكرمة والمدينة المنورة) لنشاهد جموعا تستقبل ضيوف الرحمن وأخرى تنقلهم ومن ثم تساعدهم جموع أخرى على أداء الفريضة، ليعودوا إلى ديارهم تتلقفهم جموع وجموع تريد أن تحظى برضا الله وهي تخدم ضيوفه سبحانه.
هذه الخدمات في كل هذه المواقع وعلى مر السنين تتطور وتحدث إجراءاتها، وبالتالي يتم تطوير متابعتها وتقييمها لتحسين أدائها في الموسم الذي يليه وهكذا. ما آمله حقيقة من اللجان الحكومية المختلفة، المعول عليها رفع التقارير الكاملة لصاحب الصلاحية عن مستوى الأداء وما حدث من خلل، أن تكون في مراقبتها بعيدة كل البعد عن تكرار هويتها التقليدية المتمثلة في نسخ الخطط وقوائم المشتريات والتأشير على قوائم ما تم شحنه للمنطقة، وما هو جدول المناوبات، ومَن سيداوم ليكون في موقعه في هذا المشعر أو يمارس مهنته في وقت قياسي بذلك المرفق. طلب تكرر ونكرره بشكل دائم هادفين إلى تطوير تنموي شامل يبتعد عن استهلاك طاقات المراقبين وأوقاتهم في القيام بالمتابعة الشخصية ورفع التقارير بكل تقليدية التي لا تقدر بدقة جهود الجهات المعنية. أعتقد أننا لو قمنا بوضع معايير نقيس بها مستوى الأداء وتقييمه بمنهجية علمية ليكون التمايز بين القطاعات محددا في عناصر تدل في مجموعها على حجم ونوع الإنجاز ومدى تحقيق الخطط أهدافها بالأرقام والأوزان "أي بشكل رياضي"، لأمكننا أن نخرج بمقاييس جديدة لنجاح الموسم تظهر للعالم كله أن حساباتنا تتطور مع كل عام، لأننا الأخبر والأقدر والأفضل في خدمات الحج. هذا بالطبع يتطلب من البداية وضع خطط تنفيذية كمية ونوعية حديثة في أداء الإجراءات وتتناول علاج الهفوات بمنهجية علمية منطقية تؤدي بنا إلى الارتقاء بالخدمة وتحقيق الرضا في أوساط الحجاج من جميع مستوياتهم التعليمية وخلفياتهم الثقافية.
لا شك أن أهم معايير نجاح الموسم هي خلو الحج من الحوادث الأمنية والكوارث أو الحوادث الصحية معدية كانت أم غير معدية, ولكن أمام ولاة الأمر ـ يحفظهم الله ـ الذين بذلوا وصرفوا ولم يترددوا في تقديم أي معونة لتقديم الخدمة بأفضل وسيلة لا بد من ترجمة هذا الواقع إلى نتائج مبهرة ترضي الرب أولا، ثم حجاج بيته الكريم.
إن اقتراح تعديل أسلوب المراقبة والمتابعة والتحليل باستخدام مقاييس تؤدي إلى فهم مدى العلاقة بين الخطة وإجراءات التنفيذ والتنفيذ نظريا وعلى أرض الواقع ومقارنة النتائج المتوقعة بالنتائج الفعلية النهائية نهاية الموسم سينقلنا إلى مستوى أكثر تطويرا ويرتقي بنا في عملية التقييم لماهية النجاح. وسواء التزمت الجهة بالتنفيذ الحرفي أو ما يؤدي جملة لخدماتها المطلوب منها أداؤها فإن النتائج رقمياً ستعكس بشكل دقيق مدى نجاح الجهة في أدائها، وبالتالي يبنى على ذلك القرار الخاص بتلك الخدمة أو تلك الجهة.
في الحقيقة سيكون اتباعنا للتقييم بمقاييس واضحة أفضل عاما بعد عام، وسينعكس على عودة ضيوف بيت الله إلى أوطانهم وهم يحملون كل النوايا الحسنة والرغبة الشديدة في الحصول على فرصة جديدة لأداء النسك والزيارة، وسيكونون هم من يعلن نجاح المواسم عنا ـ بإذن الله ـ في دولهم وأوطانهم.
إن سلامة الحجاج والحج أمنياً وصحياً مؤشران يعتمدان في نتائجهما الإيجابية على اكتمال أداء العاملين في كل قطاع خدمي بما يتوافق والأسلوب العملي العلمي الحديث، فأعمال الاتصالات وشؤون الإسكان في مناطق الحج والنقل والدعوة والإرشاد والاستثمار والتجارة وقطاعات في الشؤون البلدية، إضافة إلى قطاعات عدة في وزارة الداخلية كلها مجتمعة مع غيرها عوامل مكملة ساندت في رفع معيارين لمقومات أسهمت في تشييد ودعم هذا النجاح. وليس كمثل الأجهزة الإعلامية لتحمل ثقل أعمال الموسم لإيصال الرسائل لكل العالم بالتنسيق مع وزارة الحج ونشر شاشات التوعية في المجالات المختلفة التي يتوقع لها أن تغطي ساحات المشاعر المقدسة. في هذا العام قد يعتقد البعض أن الوقت قد انقضى، ولكني أعتقد أن هذا هو الوقت المناسب، لأن كل الخطط التنفيذية عبارة عن فقرات يتطلب أداؤها أشخاص في مواقع يستغرقون أزمانا معينة لأداء مهارات معينة لتحقيق أهداف معينة في خدمة الحاج, وهذا سينتج عنه تحديد مستوى استعدادنا لهذا العام، ما يضع أيدينا على التباين في الأداء، إن وجد بين القطاعات المختلفة.
وللموضوع تتمة.