Announcement

Collapse
No announcement yet.

السعودية في "حوار الأديان": من المبادرة إلى الممارسة

Collapse
X
 
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • السعودية في "حوار الأديان": من المبادرة إلى الممارسة

    السعودية في "حوار الأديان": من المبادرة إلى الممارسة




    الوطن

    شاكر النابلسي

    -1-
    بكل وضوح، نقول إن الإعلام العربي، وسواد القراء العرب، ما زالوا ينظرون إلى الوقائع على الأرض، نظرات بعيدة كل البعد عن الحقيقة القائمة على هذه الأرض. وهذا مسلك متوقع، فيما لو علمنا أن العقل العربي منذ الستينات إلى الآن، لم يتطور في تفكيره السياسي والاجتماعي. بل على العكس من ذلك، فلقد ازداد العقل العربي استسلاماً وتسليماً للخرافة والشعوذة السياسية. ولعل قارئ كتاب المفكر العراقي فالح عبد الجبار ("معالم العقلانية والخرافة في الفكر السياسي العربي"، 1992) سيدرك تماماً كيف أن العقلانية في الفكر السياسي العربي كانت غائبة كل الغياب، عن أهم القرارات العربية. وأن الأمثلة المختلفة التي ساقها لنا عبد الجبار في كتابه، وكذلك التي ساقها في السابق جلال صادق العظم في كتابه ("النقد الذاتي بعد الهزيمة"،1969) دليل كبير على أن السياسة العربية في النصف الثاني من القرن العشرين وحتى الآن، ما زالت تعتمد في معظم قراراتها على الخرافة والشعوذة. وهكذا كان الحال في الفكر السياسي العربي كذلك، وانساق هذا الأمر على الإعلام العربي بمجمله، باعتباره جزءاً من العقل العربي السياسي، ومرآة يومية عاكسة لهذا العقل.

    -2-
    كان لا بُدَّ من هذه المقدمة، لكي يتضح لنا، أن العقلانية السياسية، ظهرت في السنوات الماضية، وخاصة منذ عام 1982، عندما تقدمت المملكة بمبادرتها (مبادرة الملك فهد) في مؤتمر القمة في مدينة فاس، والتي طرحت خطة لإنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي الدامي، والذي يضمن انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة، وقيام دولة فلسطين، وعقد معاهدة سلام دائم بين العرب وإسرائيل. ولكن العرب وإسرائيل معهم فيما بعد، رفضوا هذه المبادرة التي كانت بمثابة نداء العقل السياسي لما يجري على أرض الواقع في الشرق الأوسط. ولم تيأس المملكة، وتكررت المحاولة مرة أخرى. ففي عام 2002 ، في مؤتمر القمة ببيروت، طرح الملك عبد الله بن عبد العزيز مبادرة سعودية جديدة، لا تختلف كثيراً في مضمونها عن مبادرة الملك فهد في 1982. وكانت هذه المبادرة كسابقتها، فيها من الواقعية والعقلانية السياسية، ما يمكن أن ينهي الصراع العربي - الفلسطيني، ويقيم الدولة الفلسطينية. ولكن لا العرب ولا إسرائيل أخذوا بهذه المبادرة، وضاعت فرصة كبيرة للسلام، كما ضاعت من قبل فرصة مبادرة مؤتمر فاس 1982، وكما ضاعت من قبلها عدة فرص للسلام رفضها العرب وإسرائيل على السواء، واستعرضناها في كتابنا ("قطار التسوية والبحث عن المحطة الأخيرة"، 1986).
    -3-
    وفي ندوة "ثقافة السلام" وحوار الأديان، الذي انعقد هذا الشهر (نوفمبر 2008) في نيويورك، وفي رحاب الشرعية الدولية والأمم المتحدة، وأمام أنظار العالم كله، خطت السعودية خطوة سياسية عقلانية بامتياز، ودعت - بعد أن أنهكت الحروب الشرق الأوسط، طيلة قرابة قرن مضى - إلى نشر "ثقافة السلام"، وبدء حوار الأديان، لعلم قيادتها أن الصراع القائم في العالم وبين العرب وإسرائيل خاصة، قد تحول من صراع سياسي إلى صراع ديني. فلو كانت المشكلة الفلسطينية والصراع العربي - الإسرائيلي على أرض غير فلسطين، باعتبارها مهبط الديانة اليهودية والمسيحية، ولها من تاريخ الإسلام نصيب كبير وقدر عظيم، لما كان النزاع العربي- الإسرائيلي بهذه الشدة، وهذا التعصب، وبهذا الامتداد الزمني، الذي كاد يصل إلى قرن من الزمان، حيث بدأ في الثلاثينات من القرن الماضي، وما زال مستمراً حتى الآن.
    -4-
    بعض الإعلاميين العرب وبعض الأقلام، التي تترصد الخطوات السعودية بعداء مسبق، وبسوداوية قاتمة قتامة الفحم، قالوا بكل وضوح وكتبوا دون تردد، أن ما تمَّ في نيويورك هو لقاء سياسي أكثر منه لقاء دينياً. فرغم وجود شيخ الأزهر في هذا الاجتماع، الذي دعت له منظمة الأمم المتحدة، وكانت السعودية من ضمن هؤلاء المدعوين، وليست هي المُضيفة، ولكنها الضيفة. وفي حقيقة الأمر، فإن هؤلاء قد قالوا الحقيقة، دون أن يشعروا بأنها هي الحقيقة. فحوار الأديان الذي بدأ داخل السعودية، ثم انتقل إلى دائرة أوسع في أوروبا مُمثلةً في مدريد، في يوليو الماضي 2008، ثم انتقل بسرعة إلى دائرة أكثر اتساعاً وهي الدائرة العالمية، بعد أربعة أشهر، وذلك من خلال منظمة الأمم المتحدة، هو حوار ديني/ سياسي في الوقت ذاته. بمعنى أن حوار الأديان، إذ لم تتبنه السياسة والسياسيون، فسيبقى حبراً على ورق، وكلام مؤتمرات ومنتديات للنخب الدينية فقط. وكلمة الخليفة عثمان بن عفان المشهورة: "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن" كلمة صائبة. (والوزع هنا يعني كفّ وزجر الناس عن أهوائهم). وقد تطور هذا المعنى، إلى أن العقائد، أية عقائد أرضية كانت أم سماوية، بحاجة إلى سلطان لنشرها وتثبيتها. ولو قرأنا التاريخ جيداً، لوجدنا أن الحروب الدينية التي قامت في التاريخ نفذها سياسيون، وكان لها أهداف سياسية واضحة. وأن الصراع بين الشرق والغرب في الماضي والحاضر ظاهره ديني، ولكن باطنه سياسي. والسياسيون هم الذين بمقدورهم تذكية هذا الصراع، كما بمقدورهم إنهاؤه. فالخلاف بين الأديان السماوية ليس عميقاً إلى الدرجة التي نتصورها، لو ابتعدت الأهداف السياسية عنه. والدليل على ذلك أن الأمم المتحدة، هي التي استضافت مؤتمر "ثقافة السلام" وحوار الأديان الأخير في نيويورك. وهي منظمة سياسية محضة. وكانت استضافتها لهذا الحوار، دليلاً واضحاً على الصبغة السياسية لهذا الحوار، الذي حضره في الصف الأول والثاني والثالث سياسيون من مختلف الدول. وهم القادرون وحدهم - كما قلنا - على إشعال نيران الفتن الدينية، كما أنهم هم القادرون على إطفائها. ومن هنا كانت دعوتهم في الأمم المتحدة في نيويورك، وليس في الفاتيكان، أو في مركز ديني آخر في العالم.
    -5-
    في السنوات الماضية، شهد العالم عدة حروب وأزمات سياسية ودينية، كانت أسبابها بالدرجة الأولى افتقاد وغياب لغة الحوار، التي هي أرقى اللغات، وأكثرها حضارية وإنسانية. والقيادة السعودية تدرك إدراكاً تاماً، أن لا حلَّ للانسداد الاجتماعي والثقافي غير تبني لغة الحوار، انطلاقاً من مؤتمرات الحوار الوطني السبعة التي تحدثنا عنها في مقالنا السابق، ومروراً بمؤتمر حوار الأديان في مدريد، وانتهاء بما جرى في نيويورك، في قاعات الأمم المتحدة. وأن ما يدور في مثل هذه المؤتمرات، لا يتناقض مع تعاليم الإسلام، بقدر ما يمكن أن يتناقض مع بعض آراء شيوخ الدين المتشددين والمتطرفين الشخصية. والقيادة السعودية، منذ سنوات، تعمل على نقل سلوكها السياسي والاجتماعي من المبادرة إلى الممارسة على أرض الواقع، وتحاول أن تخفف كثيراً من الانسداد الاجتماعي والثقافي، الذي يعرضها - في أحيان كثيرة - لنقود الآخرين السلبية في الشرق والغرب. وحوار الأديان، لن يأخذ طريق الجدية إلا بالممارسة على أرض الواقع. وما عدا ذلك، فسيكون هباءً منثوراً، ومضيعة للوقت، وفرصة للمتربصين والحاقدين على المملكة، لكي يسخروا من كل هذه المبادرات. ولكن إذا ما تم عزل المتشددين والمتطرفين من رجال الأديان الثلاثة، وتم دعم هذا الحوار سياسياً، فسينجح حوار الأديان، ويحقق أهدافه في السلام، ونشر التسامح والعدالة بين مختلف الأمم والشعوب. والقيادة السعودية كانت تعي، أن غياب العدالة والتسامح كان سبباً رئيسياً للكوارث الحالية، وذلك حين قالت للعالم في الأمم المتحدة:
    " إن كل مأساة يشهدها العالم اليوم، ناتجة عن التخلّي عن مبدأ عظيم من المبادئ التي نادت بها كل الأديان، والثقافات. فمشاكل العالم كلها لا تعني سوى تنكُّر البشر لمبدأ العدالة. وأن الإرهابيين ما كانوا ليظهروا لولا غياب مبدأ التسامح".
    وفي هذا القول الفصل.

    *كاتب أردني

    الزيتون عندما يُضغط يخرج الزيت الصافي فإذا شعرت بمتاعب الحياة تعصرقلبك فلا تحزن انه "الله" يريد أن يخرج أحلى ما فيك ايمانك دعاءك وتضرعك




Working...
X
😀
🥰
🤢
😎
😡
👍
👎